لم یکن الواقع المعیش لکائنیة البشر منسجماً تمام الانسجام وطموحات الذوات الکبیرة؛ فقد احتدّ النزاع من أجل البقاء بین الإنسان وما حوله منذ الانفتاق التکوینیّ له على مساحة المعمورة. ومن الطبیعیّ أن یبحث الإنسان عن صور لخلاصه من دیمومة الخوف فی ذاته؛ إذ تفاقمت صوره فی الذات حتى تحوّلت إلى مرض نفسیّ- اجتماعیّ یطغى على حنایا المدرکات السلوکیة الحاکمة لبوصلة التعامل البشریّ مع ذاته والآخر. واستمرت صور التصالح بالتنوع والاتساع فی عقیدة الفرد الخوافی من مکنونات الآتی وغیابة الغیب، حتى استحال الأمر إلى نفور عن الصلح، نحو البحث عن صور للخلاص بـ "الهروب من الواقع". وقد کانت ردّة الفعل هذه نابعة من قساوة الواقع على الذات، فهی دومًا تسعى الى التصالح مع من حولها، لکن المحیط یشدّد بقساوته وضراوته بالضغوط المستمرة، وهو أمر دعا منفذ تصفیة الآخر لضمان بقاء الذات: لأن یتحرّک من معمار الآخر إلى معمار الذات، بحیث اصطدمت الذات مع حاملها لتسبب انفصامًا حادًّا بینهما.